- منتديات أسود الأطلسعضو فريق العملوسام العطاءوسام العطاءشكر و تقديرشكر و تقديروسام التميزوسام التميزhttps://i.servimg.com/u/f68/20/21/85/44/0315_d10.gifhttps://i.servimg.com/u/f68/20/21/85/44/0315_d10.gifhttps://i.servimg.com/u/f68/20/21/85/44/2020310.gifhttps://i.servimg.com/u/f68/20/21/85/44/2020310.gifhttps://i.servimg.com/u/f68/20/21/85/44/80562910.gifhttps://i.servimg.com/u/f68/20/21/85/44/80562910.gifhttps://i.servimg.com/u/f68/20/21/85/44/57810.gifhttps://i.servimg.com/u/f68/20/21/85/44/57810.gif
- منتديات أسود الأطلس :
المساهمات : 1274
نقاط التميز : 38435
السمعة : 0
تاريخ التسجيل : 24/05/2020
الموقع : https://forums-osodatlas.yoo7.com/forum
27062020
حين كنت طفلة مغتربة
كنت في الثامنة من عمري حين فهمت لأول مرة معنى أن يهينك أحدهم، فتشعر أنك قد ابتلعت لسانك وتقف مهزوزاً، خائفاً، عاجزاً عن الرد. كنتُ أنا وأختي في حديقة عامة في إحدى دول الخليج حيث كان يعمل أبي، ننتظر بفارغ الصبر حلول دورنا لنلعب بالأرجوحة. أتخيل المشهد الآن: طفلتان في الثامنة والنصف والسادسة لم تفهما بعد إلى أي بقعة في العالم تنتميان.
ثم حل دورنا، أقنعت أختي الصغيرة أنني أنا الكبيرة فسألعب أولاً. وقبل أن أتمكن من الجلوس على مقعد الأرجوحة، استطاعت فتاة أخرى في غضون ثوانٍ أن تسبقني إليه..
قلتُ: "بس ده دوري".
نظرت إليّ بطرف عينيها ثم قالت شيئاً لم أعد أذكره، ثم أنهت كلامها بـ"مصرية وسخة".
مر أكثر من عشرين عاماً على تلك الحادثة، لم أعد أتذكر ملامح تلك البنت، ولكن صوتها، بما يحمله من حدة وضغينة، ظل عالقاً في ذهني. غالباً كانت تنتمي إلى أهل البلد، وكنتُ أنا الطفلة الأجنبية التي تشاركها حقها في الاستمتاع بخدمات بلدها.
في الثقافة المصرية، كلمة "وسخة" مدلولها قبيح، لا نُلقي بها هكذا في منتصف العبارات. لا تعبر فحسب عن حالة من انعدام النظافة، ولكن المقصود بها انعدام الاحترام، وانعدام الأخلاق، وانعدام الشرف.
"مش أنتِ قولتيلي عيب إننا نقول الكلمة دي؟".. سألتُ أمي.
قالت شيئاً مفاده أن أولاد الناس لا يتلفظون بهذه الكلمة، ثم ضمتني وشجعتني على العودة إلى اللعب.
بالطبع لم أعد إلى تلك الأرجوحة، لا في ذلك اليوم ولا حتى بعد ذلك. كرامتي الصغيرة جُرِحت، فقررت أن يكون ثأري الامتناع؟ رُبما. أم هل ظلت تلك الأرجوحة رمزاً لضعفي، لعدم قدرتي على الدفاع عن نفسي؟ لا يهم، المهم أنني لم أعد. على مدار السنوات بعد ذلك، صرتُ أسمع الرسالة ذاتها بطرق مختلفة.
إحدى معارف أمي قالت لها ذات يوم أنها رأت واحداً من أهل البلد ينقل رزمة من الملفات في أحد المستشفيات، استنكرتْ الأمر وأردفتْ أن مثل هذه المهام المتواضعة لا ينبغي أن يقوم بها أبناء وطنها، بل مصري، سوري، هندي، أياً كان، المهم أن يكون أجنبياً.. غريب، متى صار العمل عيباً؟
لم أختر تلك الحياة، ولكنني أذكر أنني كنتُ كثيراً من الأوقات أتساءل، كيف كانت حياتي ستكون لو أنني أعيش في بلدي، وسط أهلي؟ تمنيتُ أكثر ما تمنيت أن أشارك جدتي في بيت العائلة وجبة إفطار أول يوم رمضان وتجمع أول يوم العيد.
أظن أنني أمضيتُ طفولتي كلها هكذا، الأجنبية التي لا تنتمي إلى البلد الذي تعيش فيه والمُغتربة التي لا تنتمي إلى البلد الذي وُلدت فيه، لم أعرف من أنا لا هُنا ولا هُناك.
كنت في الثامنة من عمري حين فهمت لأول مرة معنى أن يهينك أحدهم، فتشعر أنك قد ابتلعت لسانك وتقف مهزوزاً، خائفاً، عاجزاً عن الرد. كنتُ أنا وأختي في حديقة عامة في إحدى دول الخليج حيث كان يعمل أبي، ننتظر بفارغ الصبر حلول دورنا لنلعب بالأرجوحة. أتخيل المشهد الآن: طفلتان في الثامنة والنصف والسادسة لم تفهما بعد إلى أي بقعة في العالم تنتميان.
ثم حل دورنا، أقنعت أختي الصغيرة أنني أنا الكبيرة فسألعب أولاً. وقبل أن أتمكن من الجلوس على مقعد الأرجوحة، استطاعت فتاة أخرى في غضون ثوانٍ أن تسبقني إليه..
قلتُ: "بس ده دوري".
نظرت إليّ بطرف عينيها ثم قالت شيئاً لم أعد أذكره، ثم أنهت كلامها بـ"مصرية وسخة".
" لم أختر تلك الحياة، ولكنني أذكر أنني كنتُ كثيراً من الأوقات أتساءل، كيف كانت حياتي ستكون لو أنني أعيش في بلدي، وسط أهلي؟"
مر أكثر من عشرين عاماً على تلك الحادثة، لم أعد أتذكر ملامح تلك البنت، ولكن صوتها، بما يحمله من حدة وضغينة، ظل عالقاً في ذهني. غالباً كانت تنتمي إلى أهل البلد، وكنتُ أنا الطفلة الأجنبية التي تشاركها حقها في الاستمتاع بخدمات بلدها.
في الثقافة المصرية، كلمة "وسخة" مدلولها قبيح، لا نُلقي بها هكذا في منتصف العبارات. لا تعبر فحسب عن حالة من انعدام النظافة، ولكن المقصود بها انعدام الاحترام، وانعدام الأخلاق، وانعدام الشرف.
"مش أنتِ قولتيلي عيب إننا نقول الكلمة دي؟".. سألتُ أمي.
قالت شيئاً مفاده أن أولاد الناس لا يتلفظون بهذه الكلمة، ثم ضمتني وشجعتني على العودة إلى اللعب.
بالطبع لم أعد إلى تلك الأرجوحة، لا في ذلك اليوم ولا حتى بعد ذلك. كرامتي الصغيرة جُرِحت، فقررت أن يكون ثأري الامتناع؟ رُبما. أم هل ظلت تلك الأرجوحة رمزاً لضعفي، لعدم قدرتي على الدفاع عن نفسي؟ لا يهم، المهم أنني لم أعد. على مدار السنوات بعد ذلك، صرتُ أسمع الرسالة ذاتها بطرق مختلفة.
إحدى معارف أمي قالت لها ذات يوم أنها رأت واحداً من أهل البلد ينقل رزمة من الملفات في أحد المستشفيات، استنكرتْ الأمر وأردفتْ أن مثل هذه المهام المتواضعة لا ينبغي أن يقوم بها أبناء وطنها، بل مصري، سوري، هندي، أياً كان، المهم أن يكون أجنبياً.. غريب، متى صار العمل عيباً؟
لم أختر تلك الحياة، ولكنني أذكر أنني كنتُ كثيراً من الأوقات أتساءل، كيف كانت حياتي ستكون لو أنني أعيش في بلدي، وسط أهلي؟ تمنيتُ أكثر ما تمنيت أن أشارك جدتي في بيت العائلة وجبة إفطار أول يوم رمضان وتجمع أول يوم العيد.
أظن أنني أمضيتُ طفولتي كلها هكذا، الأجنبية التي لا تنتمي إلى البلد الذي تعيش فيه والمُغتربة التي لا تنتمي إلى البلد الذي وُلدت فيه، لم أعرف من أنا لا هُنا ولا هُناك.
تعاليق
لا يوجد حالياً أي تعليق
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى